في الختام
التقنيات المالية الأداة الأبرز للثورة الصناعية الرابعة !
إذا كانت الثورات الصناعية الثلاث التي شهدها عالمنا خلال القرن� الماضي� قد نقلت البشرية إلى مراحل غير مسبوقة من التقدم والازدهار والرخاء ، فإن الثورة الرابعة التي بدأت بوادرها الأولى في الظهور مطلع الألفية الثالثة تؤسس لتغييرات جذرية وإنجازاتٍ يتوقع لها أن تفوق ما حققه الإنسان منذ بدء الخليقة . هذه الثورة التي تؤسس على سابقتها ) الرقمية ( هي ثورة تقنية بامتياز قوامها التكنولوجيا أولاً وبمشاركةٍ بشرية تتقلص يوماً إثر آخر ، تتسم بالسرعة والتعقيد والنمو المتسارع والتنوع والتأثير الشامل ، في الوقت ذاته ، من المتوقع لها ألا تكتفي باختراق كافة مجالات حياتنا بلا استثناء ، بل إنها ستلغي -في غضون أعوامٍ قليلة- الحدود الفاصلة ب� مجالات حياتنا المادية والرقمية بالتزامن مع الانتشار المتزايد للمنتجات التقنية بدءاً بالبيانات الضخمة والروبوتات وتعلم الآلة والذكاء الاصطناعي ، وانتهاءً بأنترنت الأشياء والطباعة ثلاثية الأبعاد والمركبات المستقلة .
بعبارةٍ أخرى ، ثورة التقنيات المالية -التي نقف على أعتابها اليوم- ستحدث تغييراتٍ جذرية في واقعنا وحياتنا أفراداً ومجتمعات ، شركاتٍ ودول ، ومقابل المزايا العديدة التي تتيحها ، كالانتقال من حال الإقصاء المالي إلى واقع الشمول المالي ، وأتمتة الأعمال ، وإنجاز المعاملات ، وتقديم خدماتٍ أوسع وتجاوز معوقات أدائها بيسر وسهولة ، وتحس� الجودة وتوفير الوقت والجهد ، والإقلال من التكاليف والأخطاء المرتكبة ، وتيسير الوصول للتمويل والحصول على البيانات المطلوبة ، فإن لها أيضاً تحديات لابد من أخذها بالحسبان وإعداد العدة لمواجهتها ، كالمخاطر المرتبطة باحتمال القضاء على الوظائف التقليدية ، واتساع الفجوة ب� الأغنياء والفقراء ، والمخاطر السيبرانية ، وغيرها .
ومع تعاظم دور التكنولوجيا في مختلف نواحي حياتنا عموماً وفي المجال الاقتصادي تحديداً ، ومع تطور الأدوات والمنتجات المالية واتساع نطاقها وتنوعها ، كان لابد من الانتقال لعصر التقنيات المالية ) Tech ( Fin التي تعني بإيجاز استخداماً مبكراً للتكنولوجيا في تصميم وتقديم الخدمات والمنتجات المالية ، ولا أغالي كثير حينما أعتبر التقنيات المالية عصب الثورة الصناعية الرابعة وأداتها الرئيسة ، هذا الانتقال عززته الظروف الاستثنائية الاحترازية في ظل جائحة كورونا التي أظهرت حاجة ماسة لمنتجات وخدمات التقنيات المالية لا في المجال المصرفي فقط بل على صعيد أنشطة الأوراق المالية أيضاً ، هذه
164